اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 171
كما أورد فى معنى الغيب عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.
أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار، وما ذكر الله تبارك وتعالى فى القرآن لم يكن تصديقهم بذلك؛ يعنى المؤمنين من العرب من قبل أصل كتاب علم كان عندهم.
وعن قتادة قال: آمنوا بالجنة والنار والبعث بعد الموت وبيوم القيامة. وكل هذا غيب.
وعن الربيع بن أنس: آمنوا بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، وآمنوا بالحياة بعد الموت. فهذا كله غيب.
[الإيمان بالغيب عن بصيرة]
وليس المراد بالإيمان بالغيب التسليم الأعمى بدون دليل أو نظر أو برهان مما يؤدى إلى اعتقاد الخرافات والتصديق بالأوهام، والإيمان بما لا يتفق مع الحقائق العليا التى جاء بها الدين الحنيف، فقد نهينا عن مثل هذا الإيمان الضعيف المتهافت، وقد أمرنا بالنظر فى ملكوت السماوات والأرض وتقدير نعمة الله علينا بالإدراك والعقل، واعتبر التفكر عبادة من أجلّ العبادات الموصلة إلى معرفة الخالق جلّ وعلا وكمال الإيمان به، وجعل العقل مناط التكليف، ومدار الثواب والعقاب، وتردد ذكره فى القرآن الكريم أكثر من أربعين مرة مقرونا بالحثّ على استخدامه فيما خلق له، فلا يمكن أن يكون معنى ذلك تشجيع الاستسلام للأوهام بدون نظر أو برهان، ولكن المراد- والله أعلم-: أن طبائع البشر مختلفة، فمنها الحجرى المتصلب المكابر المعاند؛ الذى لا يؤمن إلا بما يرى بعينه ويدركه بحاسته الكثيفة، وقد تدفعه الأهواء والأعراض الفاسدة إلى المكابرة حتى فى هذا المحسوس، وقد وردت الإشارة إلى هذا الصنف من البشر فى كثير من آيات القرآن الكريم من مثل قول الله تبارك وتعالى فى بنى إسرائيل: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74]، وقوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 22، 23]، وقوله تعالى:
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 171